تقوم عملية التفريق بين المذاهب الاقتصادية المختلفة على اساس المشكلة التى يعالجها كل مذهب
فالمذهب الرأسمالى يقوم على معالجة مشكلة ندرة الموارد مفترضاً محدودية الموارد لذلك فهو يقوم على مبادئ استغلالية تستغل الموارد بافضل شكل متاح وعليه فأن الامر متروك لألية السوق وتفاعل قوى العرض والطلب بدون اى تدخل خارجى وبحرية تامة
اما المذهب الاشتراكى فانه يقوم على معالجة مشكلة التوزيع اى توزيع الثروة فهو يفترض ان المشكلة الرئيسية هى عدم وجود الية حقيقية فى النظام الرأسمالى لتوزيع الثروة لذلك فهو لا يعترف بالملكية الخاصة ويعتبر كل الثروة المتوفرة فى المجتمع انما هى ملكية عامة وعليه فالدولة هى المالك الوحيد للثروة فى المجتمع
وهذين المذهبين هما اشهر المذاهب الاقتصادية المعتمدة فى المرحلة الحديثة وان كان المنظرون يضيفون اليهما المذهب الاقتصادى المختلط الذى يقوم على مبدأى الملكية العامة والية السوق بمعنى انه يأخذ من النظامين كل بقدر معين .
وقد اثبت النظامين قشلهما الذريع فى معالجة المشاكل الاقتصادية على المدى البعيد ويفسر علماء الاقتصاد ذلك بأن الاسس التى يقوم عليها كل من النظامين تقود الى مسارات متداخلة معقدة يطلق عليها علماء الاقتصاد مصطلح متاهة -paradox- او مراحل انعدام المنطق حيث انه - فى النظام الرأسمالى - يعتمد حل المشكلة الاقتصادية على الية السوق التى تؤدى الى ما يعرف بالدورات اى دورات الكساد والرواج
فى النظام الاشتراكى يعتمد حل المشكلة على الغاء الملكية الخاصة وعدم الاعتراف بها فى مقابل الملكية العامة والمقصد من ذلك انما التحكم فى عملية توزيع الثروة ولكن العيب الذى يؤدى الى المتاهة هنا ان عدم الاعتراف بالملكية الخاصة يتناسى تماما الفروق الفردية بين الافراد والذى من المفترض ان يكون معيار التفاوت بينهم فى المستوى المادى هذا بالاضافة الى انها تفتح الباب على مصراعيه للمحسوبيات والمحاباة والتحكم السياسى فى الثروة مما يكون له الاثر المدمر على المجتمع ولا يوجد ادل من المثال الروسى على متاهة النظام الاشتراكى
من كل هذا يقف النظام الاسلامى موقف وسطى معتدل متكامل يعتمد على ادخال العنصر الروحى فى الاقتصاد
فالنظام الاقتصادى الاسلامى يفترض ان المشكلة الاقتصادية انما هى مشكلة اخلاقية فى المقام الاول وعليه فهو يعالج المشكلة من منظور اخلاقى فيشرع للزكاة والصدقة والايثار وما الى ذلك من الاخلاق الاسلامية المعروفة
وهو يقرر ان الموارد غير محدودة بمعنى ان كل انسان قد امن له الخالق رزقه قبل خلقه ... يقول الحق عز وعلا " وفى الارض رزقكم وما توعدون " ولذلك فهو يتمتع بميزة التفاؤل على العكس من النظام العلمانى
والنظام الاقتصادى الاسلامى حين ينظر للمبادئ الاقتصادية من المنظور المادى فانه يقوم بوضع منظومة قيمية تعتمد فى الاساس على العمل والاخلاق فهو اذ يعلى من القيمة الاخلاقية للعمل فانه يمزجه مع الاخلاق بشكل بناء ويقرر ان العمل هو المعيار الوحيد لاستحقاق القيمة
ولنعطى مثال اكثر وضوحا ....
فى النظام الاقتصادى العلمانى بشكل عام تقوم فكرة الفوائد او الربا بالمفهوم الاسلامى ... وتقوم فكرة الفوائد على ما يعرف " بثمن الفرصة البديلة " بمعنى ان انه فى حالة عدم الاقراض واستثمار راس المال فى وجهة معينة كم تكون الارباح المتوقعة وتضاف كفائدة
اما فى النظام الاسلامى والذى يعتمد كما قلنا على العمل كمعيار لاستحقاق القيمة فانه يحرم الفائدة من الاساس استنادا الى المعيار المذكور وهو بذلك يحرم ما يعرف بتأجير راس المال ويستعيض عن طرق التمويل بالفائدة بطرق تعتمد على العمل كقيم حاكمة مثل التمويل بالمشاركة بانواعه الاسلامية المعروفة (المرابحة - المفاوضة - المضاربة - شركات الوجوه .. وغيره)
ويرجع علماء الاقتصاد الحاليين اسباب اكتساح الانظمة الاسلامية للهيكل الاقتصادى العالمى الى ان الاسلام يحرم المشتقات المالية من مثل الفوائد وعمليات التوريق المالى فى البورصات والرهن العقارى ... الى اخره ... ويعتمد فى خلق القيمة والثروة على العمل فى المقام الاول
ولا ادل على ذلك من كتاب الاقتصادى الكبير كويرتر (كوارث الفوائد ) الذى يشرح فيه باستفاضة تأثير الفوائد على الثروة فى المجتمع
واذا سلمنا ان النظام الاشتراكى انتهى تماما وانه لم يزل فى مواجهة النظام الاسلامى سوى بقايا النظام الراسمالى فاننا نورد الاتى :
فى عام 2008 عندما كانت اكبر 184 بنك علمانى تتعرض للافلاس كانت البنوك الاسلامية فى امريكا واوروبا تحقق نسب نمو تصل الى 40% من حجم الاصول
وفى عام 2009 ومنذ بداية الازمة العالمية عام 2008 تضاعف حجم الاصول المملوكة للبنوك الاسلامية فى اوروبا وامريكا من 500 مليار الى تريليون دولار وتحقيق مستويات عالية من الارباح غير العادية
فى عام 2010 بعد سيطرة هذه البنوك على نسبة كبيرة من السوق الائتمانى الاوروبى والامريكى وافساح مكان معتبر لها فى هذين السوقين الكبيرين فانها تحق نسبة نمو فى اللشرق الاوسط فى العام المذكور تصل الى 25% كبداية
ولا يخف على الجميع النجاحات المبهرة التى تحققها ماليزيا وتركيا باستخدام المبادئ الاسلامية بل انه فى امريكا واوروبا تقوم تيارات كبيرة بالمناداة بتطبيق النظام الاقتصادى الاسلامى مما حدا بالحكومات الغربية ببدء الدراسات الفعلية للتحول الى النظام الاسلامى
وصدق الله العظيم اذ يقول "ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوى عزيز "
.
.
6 comments:
بعيدا عن جهلي الشديدبعلوم الاقتصاد, فقط استطيع أن أقول بعد احترامي الكامل لما طرحت أخي, أن المشكلة الحقيقة ليست في جدوى النظام الاقتصادي الإسلامي من عدمه حاصة حين الحديث عن دول هي في الأصل إسلامية وإنما الأهم هو من يطبق هذا النظام؟!!
عرض اكثرمن رائع ولكن كيف يستطيع هذا النظام الاسلامى التعامل مع المشاكل الراهنه فى مصر واقصد على سبيل المثال مشكلة البطالة فى ظل نقص السيولة وعدم الاستقرار السياسي فضلا عن الخلل الاجتماعى الموجود اصلا؟ وهل سيكون قادرا على تحمل مسؤولية ادارة نظام اقتصادى كامل وليس فقط منشأت فردية قد تكون اسهل فى التقويم بل والتنبئ خصوصا اذا لاحظنا حداثة هذالنظام نسبيا على السوق والمجتمع فى مصر
محاولة لكسر الصمت
لقد نبهتنى - اختى الكريمة - الى مر نسيت عرصه وهو انه من فرط عبقرية هذا النظام انه لايحتاج الى استراتيجيات وسياسات وانظمة وحكومات لتطبيقه وذلك لان عماد اى تنمية مستدامة فى اىنظام اقتصادى مهما كان هى الصناعات والمنشأت الصغيرة واذا كان النظام الاسلامى موجه اصلا الى الفرد وربط الاقتصاد العينى بالضمير فهو بذلك متفرد بهذه الخاصية التى لم يسبقه اليها اى نظام سابق
ان اردت اكثر فاكتبى فى اى محرك بحث اسم الاستاذ الدكتور حسين حسين شحاتة ولتستمتعى مع هذا الرجل بعبقرية لن ترى مثلها كثيرا ً .... على فكرة هوا استاذى
دومتى بود
scroveez
اذا كان النظام الاسلامى يقرر ان المبدأ الحاكم فيه هو ان العمل هو اساس استحقاق القيمة فواضح ان البطالة هى من المشاكل الرئيسية التى تحل تلقائيا نتيجة لتطبيقه بمعنى ان النظام الاسلامى يحرم عمليات التوريق والفائدة ويدخل انظمة جديدة بالنسبة لعمليات التأمين وادارات الخطر فهو بذلك يحل المشكلة جذرياأ لاننا اذا نظرنا الى حجم الاستثمارات التى يحرمها الاسلام سنجد انها تمثل فى تقديرى الشخصى المتواضع ما يقرب من%35
من قيمة الثروة فى مصر فانك اذا قمت بتوجيه هذه الاستثمارات الى استثمارات عمل وليس مضاربة او فائدة فالنتيجة واضحة جدا
اما عن فكرة الخلل الاجتماعى فهناك قاعدة تقول ان الهيكل الاجتماعى يتأثر بمستوى التنمية وعدالة التوزيع وبما ان النظام الاسلامى يعطى هذين العنصرين اولوية فهو بذلك حل امثل
اما عن تحمل مسئولية ادارة نظام كامل فماليزيا التى تطبق النظام الاسلامى فى السنة المالية المنصرمة فى صيف 2010 قد
حققت نسبة نمو
% 14
وهى نسبة قياسية من النادر الوصول اليها
تحياتى يا ريس
حاليا في اوروبا واميركا مظاهرات كثيرة تخرج تتطالب باسقاط النظام الربوي الذي اثقل كاهل الشعوب ويطالبون احتلال وول استريت وبنظام بنكي اسلامي .
وان ما يعلي من شأن هذا النظام الاسلامي هو انه ذا قيم اخلاقية فاذا لم تكن تلك القيم موجوده في ذلك النظام لم يكن له ذلك الاثر في نفوس الناس ، لانه اتى من خالق الناس لصلاح الناس وهدى الناس .
شكرا على المرور والاهتمام
فارس عبدالفتاح .. قومي عربي
مساء الخير
أشكر زيارتك لـ مدونتي المتواضعة .. لي عودة هنا إن شاء الله
كل الاحترام
Post a Comment