Wednesday, November 16, 2011

عبد الله بن المقفع



هو عبد الله بن المقفع كاتب رفيع الشأن يحتل مكانة متميزة بين كتاب العربية فهو صاحب الاسلوب المشرق المقنع ومنشئ القول الموسوم بالحكمة يجرى على شباة قلمه
اسمه الحقيقي روزبة بن داذويه  وكان مجوسيا يعبد النار وقد كان قبل ان يسلم كاتباً لداوود بن عمر بن هبيرة والى الامويين على البصرة ولما انتهت دولة الامويين ونجا من محنة كادت تودى بحياته اتصل بعيسى بن على عم ابى العباس السفاح وابى جعفر المنصور واسلم على يديه
كان ابن المقفع يسلك سبلا متضادة متصادمة فى حياته فبنيما نجده كريما سخيا ، عطوفا وفيا ،معتدا بنفسه .. نراه ساحرا مقبلا على اللهو والسماع ، مخالطا بعضا من غير ذوى المرؤة ، متطاولا على وجوه الناس
ومن وفاءه انه لما سقطت دولة بنى امية احس صديقه عبد الحميد الكاتب انه مطلوب مطارد ولم يجد من يجيره ويستر امره سوى ابن  المقفع فاسرع اليه واختبأ بداره ولما فاجأهم الجند سألوا : أيكما عبد الحميد
فسارع ابن المقفع الى القول :أنا عبد الحميد .. مريدا يذلك حماية صاحبه مؤثرا اياه على نفسه ولكن عبد الحميد وجه حديثه الى الجند : ترفقوا فان كلا منا له علامات تميزه عن صاحبه ولم يلبثوا الا قليلا  ، ثم اخذوا عبد الحميد حيث قتل

واعرض هنا بعضا مما كتب ابن المقفع .....

تعريفه للبلاغة

يقول ابن المفقع : "البلاغة اسم جامع لمعان تجرى فى وجوه كثيرة ، فمنها ما يكون فى السكوت ، ومنها مايكون فى الاستماع ، ومنها مايكون الاشارة ، ومنها ما يكون فى الحديث ، ومنها مايكون فى الاحتجاج ، ومنها مايكون جوابا ، ومنا مايكون ابتداءً ، ومنها مايكون شعرا ، ومنها مايكون سجعا وخطبا ، ومنها مايكون رسائل ، عامة ما يكون من هذه الابواب الوحي فيها والاشارة الى المعنى ابلغ ، والايجاز هو البلاغة "

ويقول : "اذا اعطيت كل مقام حقه ، وقمت بالذى يجب من سياسة المقام ، وأرضيت من يعرف حقوق الكلام ، فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو ، فانهما لا يرضيهما شئ ، واما الجاهل فليس منك ولست منه ورضا جميع الناس شئ لا تناله وقد كان يقال " رضا الناس شئ لا يُنال "

وهذا التعريف هو المعتد به عند الجاحظ وابن سلام والخليل بن احمد الفاراهيدى .

= = = = = = = = = = = =  = = = = = = = = = = = = = =  = = = = = = = = 

الرسالة اليتيمة

وهى اعظم ما كتب اين المقفع قاطبة ولها من اسمها نصيب كبير فهي _ بما حوت من دراسة للنفس البشرية _ تعد فى وقتها مفخرة للعقلية الانسانية المثقفة وهى قمة من قمم الفكر الاسلامي فى مجال الساسة والحكم

يقول ابن المقفع : "وقد اصبح الناس _ الا قليلا ممن عصم الله _ مدخولين منقوصين ، فقائلهم باغٍ ، وسامعهم عياب ، وسائلهم متعنت ، وجيبهم متكلف ، وواعظهم غير محقق لقوله بالفعل ، وموعوظهم غير غير سليم من الهزء والاستخفاف ، ومستشيرهم غير موطن نفسه على انفاذ ما يشار به عليه ، او مصطبر ليحق ما يسمع ومستشارهم غير مأمون من الغش والحسد

والامين منهم غير متحفظ من ائتمان الخونة ، والصدوق غير محترس من حديث الكذبة ، وذو الدين غير متورع من تفريط الفجرة ، يقارضون الثناء ، ويترقبون الدول ، ويعيبون بالهمز ، يكاد احزمهم رأيا يلفته عن رأيه أدنئ الرضا وادنى السخط ، ويكاد امتنهم عودا ان تسحره الكلمة وتسحره اللحظة ، وقد ابتُليت ان اكون قائلا ، وابتُليتم ان تكونوا سامعين ، ولا خير فى القول الا ما انتفع به ، ولا يُنتفع الا بالصدق ، ولا صدق الا مع الرأي ولا رأى الا فى موضعه وعند الحاجة ، فان خير القائلين من لم يكن الباطل غايته ، ثم لزم القصد والصواب ، وخير السامعين من لم يكن ذلك سمعة منه ولا رياء ، ولم يتخذ ما يسمع عونا على دفع  الهُدى ، ولا بُلغة الى حاجة دنيا ، فان اجتمع للقائل والسامع أن يُرزق القائل من الناس مِقةً وقبولا على ما يقوله ، ويُرزق السامع اتعاظا بما يسمع فى امر دنياه فقد وقد صلحت نياتهما فى غير ذلك _ فعسى ذلك ان يكون من الخير الذى يبلغه الله عباده ، ويعجل لهم من حسنة الدنيا ما لا يحرمهم من حسنة الاخرة "

= = = = = = = = = = = == = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =  = 
لابن المقفع مؤلفات اخرى مثل الادب الكبير والادب الصغير ورسالة الصحابة وترجمته لكليلة ودمنة ... وغيرهم

المصدر : كتاب " الادب والنقد " للدكتور مصطفى الشكعة والدكتور محمود الربيعى 

Thursday, October 27, 2011

عبقرية النظام الاسلامى

تقوم عملية التفريق بين المذاهب الاقتصادية المختلفة على اساس المشكلة التى يعالجها كل مذهب
 فالمذهب الرأسمالى يقوم على معالجة مشكلة ندرة الموارد مفترضاً محدودية الموارد لذلك فهو يقوم على مبادئ استغلالية تستغل الموارد بافضل شكل متاح وعليه فأن الامر متروك لألية السوق وتفاعل قوى العرض والطلب بدون اى تدخل خارجى وبحرية تامة
اما المذهب الاشتراكى فانه يقوم على معالجة مشكلة التوزيع اى توزيع الثروة فهو يفترض ان المشكلة الرئيسية هى عدم وجود الية حقيقية فى النظام الرأسمالى لتوزيع الثروة لذلك فهو لا يعترف بالملكية الخاصة ويعتبر كل الثروة المتوفرة فى المجتمع انما هى ملكية عامة وعليه فالدولة هى المالك الوحيد للثروة فى المجتمع

وهذين المذهبين هما اشهر المذاهب الاقتصادية المعتمدة فى المرحلة الحديثة وان كان المنظرون يضيفون اليهما المذهب الاقتصادى المختلط الذى يقوم على مبدأى الملكية العامة والية السوق بمعنى انه يأخذ من النظامين كل بقدر معين .

وقد اثبت النظامين قشلهما الذريع فى معالجة المشاكل الاقتصادية على المدى البعيد ويفسر علماء الاقتصاد ذلك بأن الاسس التى يقوم عليها كل من النظامين تقود الى مسارات متداخلة معقدة يطلق عليها علماء الاقتصاد مصطلح متاهة -paradox- او مراحل انعدام المنطق حيث انه - فى النظام الرأسمالى - يعتمد حل المشكلة الاقتصادية على الية السوق التى تؤدى الى ما يعرف بالدورات اى دورات الكساد والرواج
فى النظام الاشتراكى يعتمد حل المشكلة على الغاء الملكية الخاصة وعدم الاعتراف بها فى مقابل الملكية العامة والمقصد من ذلك انما التحكم فى عملية توزيع الثروة ولكن العيب الذى يؤدى الى المتاهة هنا ان عدم الاعتراف بالملكية الخاصة يتناسى تماما الفروق الفردية بين الافراد والذى من المفترض ان يكون معيار التفاوت بينهم فى المستوى المادى هذا بالاضافة الى انها تفتح الباب على مصراعيه للمحسوبيات والمحاباة والتحكم السياسى فى الثروة مما يكون له الاثر المدمر على المجتمع ولا يوجد ادل من المثال الروسى على متاهة النظام الاشتراكى  

من كل هذا يقف النظام الاسلامى موقف وسطى معتدل متكامل يعتمد على ادخال العنصر الروحى فى الاقتصاد 

فالنظام الاقتصادى الاسلامى يفترض ان المشكلة الاقتصادية انما هى مشكلة اخلاقية فى المقام الاول  وعليه فهو يعالج المشكلة من منظور اخلاقى فيشرع للزكاة والصدقة والايثار وما الى ذلك من الاخلاق الاسلامية المعروفة 
وهو يقرر ان الموارد غير محدودة بمعنى ان كل انسان قد امن له الخالق رزقه قبل خلقه ... يقول الحق عز وعلا " وفى الارض رزقكم وما توعدون " ولذلك فهو يتمتع بميزة التفاؤل على العكس من النظام العلمانى 
والنظام الاقتصادى الاسلامى حين ينظر للمبادئ الاقتصادية من المنظور المادى فانه يقوم بوضع منظومة قيمية تعتمد فى الاساس على العمل والاخلاق فهو اذ يعلى من القيمة الاخلاقية للعمل فانه يمزجه مع الاخلاق بشكل بناء ويقرر ان العمل هو المعيار الوحيد لاستحقاق القيمة
ولنعطى مثال اكثر وضوحا ....
فى النظام الاقتصادى العلمانى بشكل عام تقوم فكرة الفوائد او الربا بالمفهوم الاسلامى ... وتقوم فكرة الفوائد على ما يعرف " بثمن الفرصة البديلة " بمعنى ان انه فى حالة عدم الاقراض واستثمار راس المال فى وجهة معينة كم تكون الارباح المتوقعة وتضاف كفائدة 
اما فى النظام الاسلامى والذى يعتمد كما قلنا على العمل كمعيار لاستحقاق القيمة فانه يحرم الفائدة من الاساس استنادا الى المعيار المذكور وهو بذلك يحرم ما يعرف بتأجير راس المال ويستعيض عن طرق التمويل بالفائدة بطرق تعتمد على العمل كقيم حاكمة مثل التمويل بالمشاركة بانواعه الاسلامية المعروفة (المرابحة - المفاوضة - المضاربة - شركات الوجوه .. وغيره)
ويرجع علماء الاقتصاد الحاليين اسباب اكتساح الانظمة الاسلامية للهيكل الاقتصادى العالمى الى ان الاسلام يحرم المشتقات المالية من مثل الفوائد وعمليات التوريق المالى فى البورصات والرهن العقارى ... الى اخره ... ويعتمد فى خلق القيمة والثروة على العمل فى المقام الاول
ولا ادل على ذلك من كتاب الاقتصادى الكبير كويرتر (كوارث الفوائد ) الذى يشرح فيه باستفاضة تأثير الفوائد على الثروة فى المجتمع 

واذا سلمنا ان النظام الاشتراكى انتهى تماما وانه لم يزل فى مواجهة النظام الاسلامى سوى بقايا النظام الراسمالى فاننا نورد الاتى :
فى عام 2008 عندما كانت اكبر 184 بنك علمانى تتعرض للافلاس كانت البنوك الاسلامية فى امريكا واوروبا تحقق نسب نمو تصل الى 40%  من حجم الاصول 
وفى عام 2009 ومنذ بداية الازمة العالمية عام 2008 تضاعف حجم الاصول المملوكة للبنوك الاسلامية فى اوروبا وامريكا من 500 مليار الى تريليون دولار وتحقيق مستويات عالية من الارباح غير العادية 
فى عام 2010 بعد سيطرة هذه البنوك على نسبة كبيرة من السوق الائتمانى الاوروبى والامريكى وافساح مكان معتبر لها فى هذين السوقين الكبيرين فانها تحق نسبة نمو فى اللشرق الاوسط فى العام المذكور تصل الى 25% كبداية 
ولا يخف على الجميع النجاحات المبهرة التى تحققها ماليزيا وتركيا باستخدام المبادئ الاسلامية بل انه فى امريكا واوروبا تقوم تيارات كبيرة بالمناداة بتطبيق النظام الاقتصادى الاسلامى مما حدا بالحكومات الغربية  ببدء الدراسات الفعلية للتحول الى النظام الاسلامى 
 وصدق الله العظيم اذ يقول "ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوى عزيز "
.
.