هو عبد الله بن المقفع كاتب رفيع الشأن يحتل مكانة متميزة بين كتاب العربية فهو صاحب الاسلوب المشرق المقنع ومنشئ القول الموسوم بالحكمة يجرى على شباة قلمه
اسمه الحقيقي روزبة بن داذويه وكان مجوسيا يعبد النار وقد كان قبل ان يسلم كاتباً لداوود بن عمر بن هبيرة والى الامويين على البصرة ولما انتهت دولة الامويين ونجا من محنة كادت تودى بحياته اتصل بعيسى بن على عم ابى العباس السفاح وابى جعفر المنصور واسلم على يديه
كان ابن المقفع يسلك سبلا متضادة متصادمة فى حياته فبنيما نجده كريما سخيا ، عطوفا وفيا ،معتدا بنفسه .. نراه ساحرا مقبلا على اللهو والسماع ، مخالطا بعضا من غير ذوى المرؤة ، متطاولا على وجوه الناس
ومن وفاءه انه لما سقطت دولة بنى امية احس صديقه عبد الحميد الكاتب انه مطلوب مطارد ولم يجد من يجيره ويستر امره سوى ابن المقفع فاسرع اليه واختبأ بداره ولما فاجأهم الجند سألوا : أيكما عبد الحميد
فسارع ابن المقفع الى القول :أنا عبد الحميد .. مريدا يذلك حماية صاحبه مؤثرا اياه على نفسه ولكن عبد الحميد وجه حديثه الى الجند : ترفقوا فان كلا منا له علامات تميزه عن صاحبه ولم يلبثوا الا قليلا ، ثم اخذوا عبد الحميد حيث قتل
واعرض هنا بعضا مما كتب ابن المقفع .....
تعريفه للبلاغة
يقول ابن المفقع : "البلاغة اسم جامع لمعان تجرى فى وجوه كثيرة ، فمنها ما يكون فى السكوت ، ومنها مايكون فى الاستماع ، ومنها مايكون الاشارة ، ومنها ما يكون فى الحديث ، ومنها مايكون فى الاحتجاج ، ومنها مايكون جوابا ، ومنا مايكون ابتداءً ، ومنها مايكون شعرا ، ومنها مايكون سجعا وخطبا ، ومنها مايكون رسائل ، عامة ما يكون من هذه الابواب الوحي فيها والاشارة الى المعنى ابلغ ، والايجاز هو البلاغة "
ويقول : "اذا اعطيت كل مقام حقه ، وقمت بالذى يجب من سياسة المقام ، وأرضيت من يعرف حقوق الكلام ، فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو ، فانهما لا يرضيهما شئ ، واما الجاهل فليس منك ولست منه ورضا جميع الناس شئ لا تناله وقد كان يقال " رضا الناس شئ لا يُنال "
وهذا التعريف هو المعتد به عند الجاحظ وابن سلام والخليل بن احمد الفاراهيدى .
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
الرسالة اليتيمة
وهى اعظم ما كتب اين المقفع قاطبة ولها من اسمها نصيب كبير فهي _ بما حوت من دراسة للنفس البشرية _ تعد فى وقتها مفخرة للعقلية الانسانية المثقفة وهى قمة من قمم الفكر الاسلامي فى مجال الساسة والحكم
يقول ابن المقفع : "وقد اصبح الناس _ الا قليلا ممن عصم الله _ مدخولين منقوصين ، فقائلهم باغٍ ، وسامعهم عياب ، وسائلهم متعنت ، وجيبهم متكلف ، وواعظهم غير محقق لقوله بالفعل ، وموعوظهم غير غير سليم من الهزء والاستخفاف ، ومستشيرهم غير موطن نفسه على انفاذ ما يشار به عليه ، او مصطبر ليحق ما يسمع ومستشارهم غير مأمون من الغش والحسد
والامين منهم غير متحفظ من ائتمان الخونة ، والصدوق غير محترس من حديث الكذبة ، وذو الدين غير متورع من تفريط الفجرة ، يقارضون الثناء ، ويترقبون الدول ، ويعيبون بالهمز ، يكاد احزمهم رأيا يلفته عن رأيه أدنئ الرضا وادنى السخط ، ويكاد امتنهم عودا ان تسحره الكلمة وتسحره اللحظة ، وقد ابتُليت ان اكون قائلا ، وابتُليتم ان تكونوا سامعين ، ولا خير فى القول الا ما انتفع به ، ولا يُنتفع الا بالصدق ، ولا صدق الا مع الرأي ولا رأى الا فى موضعه وعند الحاجة ، فان خير القائلين من لم يكن الباطل غايته ، ثم لزم القصد والصواب ، وخير السامعين من لم يكن ذلك سمعة منه ولا رياء ، ولم يتخذ ما يسمع عونا على دفع الهُدى ، ولا بُلغة الى حاجة دنيا ، فان اجتمع للقائل والسامع أن يُرزق القائل من الناس مِقةً وقبولا على ما يقوله ، ويُرزق السامع اتعاظا بما يسمع فى امر دنياه فقد وقد صلحت نياتهما فى غير ذلك _ فعسى ذلك ان يكون من الخير الذى يبلغه الله عباده ، ويعجل لهم من حسنة الدنيا ما لا يحرمهم من حسنة الاخرة "
= = = = = = = = = = = == = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
لابن المقفع مؤلفات اخرى مثل الادب الكبير والادب الصغير ورسالة الصحابة وترجمته لكليلة ودمنة ... وغيرهم
المصدر : كتاب " الادب والنقد " للدكتور مصطفى الشكعة والدكتور محمود الربيعى
